زيارة محمية ضانا الواقعة جنوب الأردن رحلة لا تنسى، فبعض من رآها يصفها بأنها قطعة من الفردوس الدنيوي، فهي، إلى جانب التنوع البيئي والمناخي الذي يميزها عن غيرها من الأماكن السياحية، تعتبر المكان المثالي للباحثين عن المغامرة أو عن الهدوء.تبلغ مساحة المحمية 320 كيلومتراً مربعاً وهي أكبر محمية طبيعية في البلاد... فيها يصل الزائر إلى تعريف جديد للسكينة، وجمالية الطبيعة التي تجعل المكان لوحة فنية. أنشئت هذه المحمية عام 1993 بعد ان أصبحت المنطقة مهددة بالتصحر، وفيها منطقتان رئيسيتان للحيوانات البرية، وأربع مناطق للنباتات، و تضم منطقتا الحيوانات البرية، منها الذئب الرمادي، و السحالي الصحراوية. وهناك 45 نوعاً من الحيوانات النادرة المهددة بالانقراض مما يجعل للمحمية أهمية عالمية كبيرة. ومن الطيور النادرة التي تعيش في المحمية: النسر الأسمر، والعقاب الذهبي، واللقلق الأسود، والابلق العربي. أما المناطق النباتية فتضم 697 نوعاً من النباتات، منها ثلاثة انواع جديدة بالنسبة للعلماء.
أما ما يميز ضانا عن غيرها من المحميات قدرتها على خلق التواصل بين الإنسان والمكان والزمان، فمن يأتيها لزيارة قصيرة، يمكث فيها يوما جميلا، و يغادرها راغباً في البقاء، ومن يعش فيها اياماً، يقضي نهاره في استكشاف روعتها، و يسهر متأملاً تحت سمائها، ليغفو في منامته المختارة في واحد من المخيمين المقامين للزوار وهما مخيم الرمانة ومخيم فينان، او في بيوت الضيافة في القرية العتيقة التي تم تحديثها، لينطلق صباحاً في رحلة جديدة يستكشف فيها ما لم ير من تفاصيل هذا المشهد الطبيعي الأخاذ.
كانت ضانا قرية منسية في جنوب الأردن، هجرها أهلها بحثا عن الحياة المستقرة في المدن والبلدات القريبة. ولكن ضانا مكان استثنائي حيث تقع فوق ربوة جبلية تشرف على واحدة من أجمل المناطق الطبيعية في الأردن.
مدير المحمية عامر الرفوع تحدث لـ" العرب اليوم" عن كيفية تطوير ضانا لتصبح مقصداً سياحياً مهماً فيقول: "تم تطوير المحمية من قبل الجمعية العلمية الملكية لحماية الطبيعة التي اخذت على عاتقها جهد إعادة إحياء هذه القرية الفريدة. وإن ما بدأ كجهد يرمي إلى الحفاظ على الموروث الثقافي والطبيعي تحول في نهاية الأمر إلى واحد من أنجح مشاريع التنمية المستدامة، لا في الأردن والعالم العربي فحسب بل في العالم أجمع بشهادة العديد من مدراء المنظمات والمشاريع البيئية الدولية. كما كان هذا المشروع بمثابة شهادة الميلاد الثانية للجمعية الملكية لحماية الطبيعة بعد إنشائها الفعلي في العام 1966 كأول منظمة عربية غير حكومية معنية بحماية الطبيعة والحياة البرية.
كانت أول تجربة لهذا النوع من السياحة في العالم العربي حيث تم بناء مرافق سياحية مستندة إلى التراث ومتوافقة مع بيئة المنطقة كما تم تدريب العديد من الشباب والرجال من سكان المنطقة على العمل كأدلاء سياحيين أو في المواقع الإدارية للمحمية. وبالفعل نجحت التجربة واجتذبت المحمية عشرات الآلاف من الزوار سنويا وفي العام 1997 كان دخل السياحة البيئية كافيا لتأمين نفقات استدامة العمل في المحمية. اما الطريقة الثانية فكانت استثمار مهارات السكان المحليين وخاصة النساء في صنع المنتجات التقليدية من الحرف اليدوية والحلي المصنوعة من الفضة بالإضافة إلى الزراعة العضوية بدون استخدام المبيدات وإنتاج العسل والمربيات من هذه المحاصيل العضوية.
وفي العام 1998 وبعد التنفيذ الناجح للمشروع تم خلق 55 عملاً أنتجت مجموع مبيعات يعادل 700 ألف دينار فغطت احتياجات 800 شخص من سكان المنطقة كما ساهم العائد في تغطية كافة النفقات الجارية في المحمية. وقد ساعد ذلك على حدوث هجرة عكسية إلى القرية حيث إزدهرت من جديد وباتت فرص العمل متوافرة بفعل تحسن النشاط الاقتصادي".
وتحدث الرفوع عن الخصائص البيئبة والطبيعية في المحمية فقال: "إن محمية ضانا نظام من الجبال والوديان المترابطة والمتشابكة، والتي تمتد ما بين القمة لوادي الأردن إلى الأراضي الصحراوية المنخفضة في وادي عربة بانخفاض في الارتفاع يعادل 1600 متر. وتتكون المحمية من نظامين جغرافيين حيويين رئيسيين وأربعة مناطق نباتية متمايزة. وهذا التنوع الداخلي الكثيف من أشكال التضاريس والموائل بالإضافة إلى التغير الكبير في الارتفاع ينتج عنه تنوع حيوي كبير. ويصل عدد أنواع النباتات المسجلة في ضانا إلى حوالي 700 تنوعا منها 3 جديدة على العلم وكذلك حوالي 450 نوعا حيوانيا منها ما هو نادر جدا ومهدد بالانقراض مثل القط البري والذئب السوري والسحلية شوكية الذيل، وبوجود حوالي 25 نوعا مهددا في المحمية فإن المنطقة تعتبر ذات أهمية عالمية. وبالإضافة إلى الحياة البرية، فإن المحمية غنية أيضا بالآثار والثقافة، فهناك حوالي 100 موقع أثري تم الكشف عنها منها مناجم النحاس القديمة في وادي فينان وهي المجموعة الآثارية الأكثر أهمية في جنوب الأردن بعد البتراء.
تشهد المحمية حركة سياحية نشطة اذ يزورها شهرياً ما يزيد عن ثلاثة آلاف شخص معظمهم من السواح الأجانب ، ويعتبر فصل الربيع الوقت المفضل لزيارة المحمية التي تكتسي بحلة خضراء وتعتبر زهرة السوسنة السوداء من ابرز النباتات التي تنمو في المحمية، وتمثل هذه الزهرة الشعار الوطني للأردن