[center]بسم الله الرحمن الرحيم
استئصال الفكر التكفيري من خلال معالجة التطرف والغلو
عرض تقديمي لاصل الفكر التكفيري وموازينة التي يوزن بها :
الجماعات التكفيرية والفكر التكفيري ليست ظاهرة عصرية فحسب وإنما هي ظاهرة لازمت الوجود الإسلامي على مر التاريخ وحتى يومنا هذا وستبقى إلى أن يشاء الله تعالى . والفكر التكفيري نوعين:
1. فكرًا تكفيريًّا مشروعًا محمودا : هذا الفكر له أصول قرآنية يلتزم وينضبط بها فيكون فكرًا تكفيريًّا مشروعًا محمودًا
2. فكرًا تكفيريًّا مذمومًا غير مشروع : لايلتزم بالقرآن الكريم ولا بالسنة النبوية
يقول تعالى{وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة:217]، ويقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ 'من بدَّل دينه فاقتلوه'
اهم الأصول القرآنية الواجب أن يقوم عليها التكفير المشروع المحمود :
1. أن يكون المكفر عالمًا مجتهدًا. قال تعالى : ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِمِنْكُمْ}[النساء:59]
2. أن يثبت حكم الاعتقاد أو الفعل أو القول للعالم أنه مكفر بدليل قطعي الثبوت والدلالة، لأن الحكم بدليل ظني لا يفيد القطع .
.3أن يتم إسقاط حكم القول أو الفعل المكفر على قائله أو فاعله بدقة متناهية بعد بذل الجهد والتوسع في فهم الدليل والواقع فهما سليما،
4. أن تنتفي الأعذار الشرعية بالنسبة للشخص المعين التي تمنع من تكفيره وهي الاضطرار
وبالنظر في حال وواقع الجماعات التكفيرية المتعددة القائمة اليوم بعدل وإنصاف نراها إلا من رحم الله تعالى قائمة على فكر تكفيري غير منضبط بالضوابط السابقة، فهي جماعات تقودها قيادات ليست من العلماء وليست من طلاب العلم كذلك، وإنما هي قيادات تلقت آراءها بما فهمته من بعض الكتب ، أي لم تطلب العلم من أهله وهم العلماء الربانيون الأحياء وإنما تلقت العلم من طريق الكتب وهذا سلوك مشين حرام لا يوصل صاحبه إلا إلى الضلال ، و الخوض في آيات الله وإصدار الأحكام بغير علم أي بانعدام أهلية الاجتهاد لديهم التي لن تتحقق لأحد إلا بامتلاك أدواته مجتمعة، لم يتمكنوا من معرفة الدليل الثابت من غير الثابت والقطعي من الظني ولم يتمكنوا من استنباط واستخراج الأحكام مما اعتقدوه أدلة، بل وفي كثير من الأحيان لم يفهموا أقوال العلماء التي يقرءونها، ولذلك تراهم قد ضلوا في كثير من الأحكام وتاهوا وسلكوا مسلك الجهلة أسلافهم ، وهذا تسبب في تكفيرهم لبعض العلماء من الأحياء والأموات، ثم في انقسامهم على أنفسهم وتراجمهم بالتكفير لاختلافهم في فهم قول عالم أو لاختلافهم في آية خاضوا فيها جميعًا بغير علم، ولا مخرج لأولئك ينقذهم من الضلال الذي اعتقدوه صلاحًا إلا بالرجوع إلى أهل العلم الصالحين
يجب الاعتراف بأن التطرف الديني في العالم الإسلامي موجود وقد نشأ وترعرع في السنوات الأخيرة واتخذ اتجاهات عدة جاءت أغلبها على هيئة ردات فعل من الواقع المرير الذي تعيشه بلداننا الإسلامية والاضطهاد الذي تمارسه الدول الكبرى إضافة إلى الازدواجية في المعايير و أن مشكلة التطرف والغلو في مجتمعاتنا الإسلامية لن تنتهي في الأجل القريب، مشددين على أن المعالجة يجب أن تكون مستمرة وشاملة ويتطلب الامر إزالة أسباب الفساد في المجتمع التي تؤدي إلى فكر متطرف فكلما زاد الفساد زاد التطرف فالإسلام دين الوسطية، بين الغلو والتقصير، قال الله - تعالى -: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً) البقرة: 143-، وهو خطاب لجميع الأمة، أولها وآخرها، من كان منهم موجوداً في وقت نزول الآية، ومن جاء بعدهم إلى قيام الساعة وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الغلو حين قال : فمن رغب عن سنتي فليس مني
مفهوم التطرف في الشريعة الإسلامية.
المقصود بالتطر ف عند علماء الشريعة : القائل، أو القول، أو الفعل، المخالف للشرع وذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمى المتشددين في الدّين بالمتعمقين، وأن التشدد والتعنت والتحمس والتعصب، بمعنى واحد، وعلى ذلك فإن العبارات التي تطلق على التشدد في الدين ثمانية، وهي: (التنطع، والغلو، والتعمق، والتكلف، والتشدد، والتعنت، والتحمس، والتعصب) . و الوسط هو العدل ولأن الإسلام وسط بين مادية اليهودية وروحية النصرانية جاءت عقيدة أهل السنة والجماعة وسطاً بين تيارات الفرق والمذاهب فهم وسط في باب الصفات بين أهل التجسيم وأهل التعطيل، وهم وسط بين الجبرية والمعتزلة في مسألة أفعال العباد وهم وسط بين الخوارج والمرجئة في باب مرتكب الكبيرة، لذا لقيت وسطيتهم هذه قبولاً من أصحاب العقول والفطر السليمة، وانصرفوا لبناء الدولة بدءاً من الفرد ووصولاً إلى الأمة وحكامها.
جذور واسباب التطرف
اولا : عدم الدقة في فهم النصوص الشرعية و قلة العلم الشرعي عدم وجود مرجعية. وقد أدى هذا إلى الوقوع في فهوم غير سليمة ترتب عليها تصرفات غير شرعية ففهموا قضية الحكم وتكفير المسلم فهماً غير صحيح، كما فهموا الجهاد على معنى واحد رغم تعدد معانيه واتساع مناحيه، وفهموا الاحتساب أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهماً منقطعاً عن ظروف وجود دولة لها مهامها في هذا الباب.
ثانيا : وقد تم تشويه الصورة الناصعة للإسلام عن طريق اتهامه بالتطرف والإرهاب، واستخدم الغرب جميع الوسائل الممكنة لتشويه صورة الإسلام وعلى رأسها الوسائل الإعلامية التي يمتلك الغرب مفاتيح قيادتها والتحكم فيها مدعين بأن الإسلام معاد للديمقراطية وأن الإسلام أو الثقافة العربية لا تتلاءمان مع الديمقراطية ومواكبة العصر. والتركيز على الراديكالية وربط الإسلام بالتطرف و تصويره للحركات الإسلامية بأنها معادية للديمقراطية ولا تعترف بها، بل حتى الحركات الإسلامية التي شاركت ضمن النظام الديمقراطي الانتخابي في بلادها وقبلت بشروط اللعبة السياسية قد صورتها بالمخادعة وبانتهاز الفرص من أجل الانقضاض على النظام في بلادها وفرض الديكتاتورية والدولة الدينية.
علاج التطرف والغلو
1. لابد من فتح قنوات الحوار والتواصل مع الشباب والمراهقين من قبل العلماء والدعاة بروح الأبوة الحانية والأخوة الراضية للتعبير عما يجيش في عقولهم وتأصيل فقه الأزمات والنوازل وإيجاد إجابات وحلول وسطية لإشكاليات الواقع ومستجداته.
2. تضمين المباحث والمناهج التعليمية بالمادة الدينية الكافية لتكوين الشخصية المسلمة السوية المعتدلة وإشاعة جو الحرية والديمقراطية والبرلمانات والتشاور حتى لا يبحث الشباب عن بدائل أخرى للتعبير عن ميولهم ورغباتهم ومطالبهم.
3. معالجة صور الانحراف الأخلاقي بتوازن وموضوعية حتى لا يكون حجة لغرس بذور الغلو والتطرف .
4. تطوير وسائل الاعلام و تناولها لإشكاليات الواقع وقضايا العصر بوسطية واعتدال وعدم تجاهل الحديث عنها .
5. تشجيع الحركات الإسلامية على ممارسة النقد الذاتي والمراجعة الفكرية ، و تفنيد الشبهات و الغلو والتطرف بأسلوب شرعي وروح فكرية على نحو وسطي معتدل بعيدا عن الغضب والتشنج والتعصب .
6. إيجاد مرجعية صحيحة ومقبولة تحظى بثقة الشباب ، و تنظيم دور العلماء والمفكرين والمثقفين لرسم الوعي المنشود ، و توحيد مصدر الفتوى في القضايا الكبرى على مستوى الدولة أو المجتمع ، و التربية الإيمانية الصحيحة على منهج القرآن وبنبراس من تربية النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته وأصحابه على سبيل الخصوص .
7. و نشر دراسات وبحوث تتناول شبهات فكرة الغلو والتطرف والرد عليها وتوفيرها لشريحة الشباب.